الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.البلاغة: المجاز: في قوله تعالى: {ليَكْفُرُوا بما آتَيْناهُمْ وَليَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.فإن قلت: كيف جاز أن يأمر اللّه تعالى بالكفر، وبأن يعمل العصاة ما شاءوا، وهو ناه عن ذلك ومتوعد عليه؟ الجواب: هو مجاز عن الخذلان والتخلي، وأن ذلك الأمر متسخط للغاية. ومثاله: أن ترى الرجل قد عزم على أمر، وعندك أنّ ذلك الأمر خطأ، وأنه يؤدي إلى ضرر عظيم، فتبالغ في نصحه واستنزاله عن رأيه، فإذا لم تر منه إلا الإباء والتصميم، غضبت عليه وقلت: أنت وشأنك وافعل ما شئت، فلا تريد بهذا حقيقة الأمر..الفوائد: 1- النماذج الانسانية في كتاب اللّه كثيرة، نحو:إنَّ الْإنْسانَ خُلقَ هَلُوعًا.وخلق الإنسان جزوعا.وخلق الإنسان عجولا.وَخُلقَ الْإنْسانُ ضَعيفًا.وفي هذه الآية، التي نحن بصددها، يصوّر لنا القرآن الكريم الإنسان كيف يلجأ إلى اللّه، وقت الحاجة، ووقت الضيق، حتى إذا زال عنه ما هو فيه، نسي اللّه ونأى بجانبه، وتنكر لنعمائه وألطافه.2- أحصى الخليل بن أحمد عدد اللامات، فبلغت إحدى وأربعين لاما؟ نعدها عدا وهي: لام القسم، لام جواب القسم، لام الأمر، لام جواب الأمر، لام الوعد، لام الوعيد، لام التوكيد، لام العماد، لام الجحد، لام كي، لام إن الخفيفة، لام الغاية، لام الترجي، لام التمني، لام التحذير، لام المدح، لام الذم، لام كما، لام المنقول، لام الجزاء، لام الشفاعة، لام الاستغاثة، لام الجرّ، لام الصفة، لام الأصل، لام المعرفة، لام التكثير، لام الابتداء، لام التفضيل، لام ليس، لام النفي، لام غير، لام التبرئة، لام الصلة، لام النهي، لام الدعاء، لام الاستحقاق، لام الإلحاق، لام الفصاحة. وهذه اللامات تقسم إلى ثلاثة أقسام:عاملة للجر، عاملة للجزم، وغير عاملة..[سورة العنكبوت: الآيات 67- 68]: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْباطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوىً للْكافرينَ (68)}..الإعراب: الهمزة للاستفهام الإنكاريّ الواو عاطفة {أنّا} حرف مشبّه بالفعل واسمه {حرما} مفعول به ثان، والمفعول الأول محذوف أي بلدهم أو مكّة الواو واو الحال {الناس} نائب الفاعل مرفوع.{من حولهم} متعلّق ب {يتخطّف} الهمزة مثل الأولى الفاء عاطفة {بالباطل} متعلّق ب {يؤمنون} {بنعمة} متعلّق ب {يكفرون}.جملة: لم يروا. لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي: أغفلوا ولم يروا.وجملة: {جعلنا} في محلّ رفع خبر أنّ.والمصدر المؤوّل {أنّا جعلنا} في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يروا.وجملة: {يتخطّف الناس} في محلّ نصب حال.وجملة: {يؤمنون} لا محلّ لها معطوفة على جملة لم يروا.وجملة: {يكفرون} لا محلّ لها معطوفة على جملة يؤمنون.(68) الواو عاطفة {من} اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ خبره {أظلم} {ممّن} متعلّق بأظلم {على اللّه} متعلّق ب {افترى} {كذبا} مفعول به منصوب، {بالحقّ} متعلّق ب {كذّب} {لمّا جاءه} مثل لمّا نجّاهم الهمزة للاستفهام التقريريّ لأنها دخلت على نفي وإن كان فيها معنى الإنكار في الأصل {في جهنّم} متعلّق بخبر ليس {مثوى} اسم ليس مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة {للكافرين} متعلّق بنعت لمثوى.وجملة: {من أظلم} لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف أغفلوا.وجملة: {افترى} لا محلّ لها صلة الموصول {من}.وجملة: {كذّب} لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.وجملة: {جاءه} في محلّ جرّ مضاف إليه. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.وجملة: ليس {في جهنّم مثوى} لا محلّ لها استئنافيّة..[سورة العنكبوت: آية 69]: {وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسنينَ (69)}..الإعراب: الواو استئنافيّة {فينا} متعلّق ب {جاهدوا} بحذف مضاف أي في سبيلنا اللام لام القسم لقسم مقدّر {نهدينهم} مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع، والفاعل نحن للتعظيم، و{هم} ضمير مفعول به {سبلنا} مفعول به ثان منصوب الواو عاطفة اللام المزحلقة للتوكيد {مع} ظرف منصوب متعلّق بخبر إنّ.جملة: {الذين جاهدوا} لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: {جاهدوا} لا محلّ لها صلة الموصول {الذين}.وجملة: {نهدينّهم} لا محلّ لها جواب القسم المقدّر.وجملة القسم المقدّرة في محلّ رفع خبر المبتدأ {الذين}.وجملة: {إنّ اللّه لمع المحسنين} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة..البلاغة: الإيجاز بالحذف: في قوله تعالى: {وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا} فقد أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول، ليتناول كل ما يجب مجاهدته من النفس الأمارة بالسوء والشيطان وأعداء الدين..قال محيي الدين الدرويش: (29) سورة العنكبوت مكيّة وآياتها تسع وستون.بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم..[سورة العنكبوت: الآيات 1- 7]: {الم (1) أَحَسبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ منْ قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذبينَ (3) أَمْ حَسبَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ السَّيّئات أَنْ يَسْبقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كانَ يَرْجُوا لقاءَ اللَّه فَإنَّ أَجَلَ اللَّه لَآتٍ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ (5) وَمَنْ جاهَدَ فَإنَّما يُجاهدُ لنَفْسه إنَّ اللَّهَ لَغَنيّ عَن الْعالَمينَ (6) وَالَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئاتهمْ وَلَنَجْزيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذي كانُوا يَعْمَلُونَ (7)}..اللغة: {يُفْتَنُونَ} يختبرون من فتن فلان يفتنه من باب ضرب:خبره وأحرقه وأضلّه، يقال فتن الصائغ الذهب: أذابه بالبوتقة ليختبره وليميز الجيد من الرديء ويقال فتنه يفتنه من باب ضرب أيضا أعجبه واستماله وأوقعه في الفتنة..الإعراب: {الم أَحَسبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} ألم تقدم اعرابها والقول فيها وفي فواتح السور، وأحسب الهمزة للاستفهام التقريري أو التوبيخي وحسب فعل ماض ينصب مفعولين قال الزمخشري: الحسبان لا يصح تعليقه بمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل ولذلك احتاج إلى مفعولين والناس فاعل وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي حسب وأن يقولوا مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض وهو متعلق بمحذوف حال إذا قدر حرف الجر باء، ولك أن تقدر حرف الجر لاما فيكون تعليلا للترك متعلقا به أي لأجل قولهم، وجملة آمنا مقول القول والواو حالية وهم مبتدأ وجملة لا يفتنون خبر هم والجملة حالية ومعنى الآية أحسب الذين نطقوا بكلمة الشهادة أنهم يتركون غير ممتحنين لا بل يمتحنون ليتبين الراسخ في الدين من غيره، وهذا أحد أعاريب رأيناه أسهلها، ونورد هنا عبارة الزمخشري لنفاستها قال: تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر وأما غير مفتونين فتتمة الترك الذي هو بمعنى التصيير كقوله: فتركنه جزر السباع ينشنه ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين لقولهم {آمنا} على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فإن قلت: أن يقولوا هو علة تركهم غير مفتونين فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت كما تقول خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب وقد كان التأديب والمخافة في قولك خرجت مخافة الشر وضربته تأديبا تعليلين، وتقول أيضا حسبت خروجه لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا وسيأتي المزيد من أبحاث هذه الآية في باب الفوائد.{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ منْ قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذبينَ} الواو عاطفة واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وفتنا فعل وفاعل والذين مفعوله ومن قبلهم متعلقان بمحذوف هو صلة الذين والفاء عاطفة واللام موطئة للقسم وليعلمن فعل مضارع مبني على الفتح واللّه فاعل والذين مفعوله وجملة صدقوا صلة وليعلمن الكاذبين عطف على ما تقدم وسيأتي سر المخالفة بين صدقوا والكاذبين في باب البلاغة والمعنى أن الفتنة والامتحان أمران لابد منهما لابتلاء الخلق وقد تعرضت لهما الخلائق في مختلف ظروف الزمان والمكان.{أَمْ حَسبَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ السَّيّئات أَنْ يَسْبقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ} أم منقطعة ومعناها بل وهي للاضراب الانتقالي ولابد من همزة في ضمنها للتقرير والتوبيخ، وحسب فعل ماض والذين فاعل وجملة يعملون السيئات صلة وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي حسب، قال الزمخشري: فإن قلت أين مفعولا حسب؟قلت: اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين كقوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة ومعنى الاضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الاول لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن انه لا يجازى بمساويه، وساء فعل ماض جامد لإنشاء الذم وفاعله مستتر تقديره هو وما نكرة منصوبة على التمييز وجملة يحكمون صفتها والمخصوص بالذم محذوف أي حكمهم ويجوز أن تعرب ما اسم موصول فاعل وجملة يحكمون صلتها، ويجوز أن تكون مصدرية أي حكمهم وعلى هذا يكون التمييز محذوفا أي ساء حكما حكمهم.{مَنْ كانَ يَرْجُوا لقاءَ اللَّه فَإنَّ أَجَلَ اللَّه لَآتٍ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ} من اسم شرط جازم مبتدأ وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسم كان مستتر يعود على من وجملة يرجو خبر كان ولقاء اللّه مفعول به والفاء رابطة لجواب الشرط، وإن أجل اللّه أن واسمها واللام المزحلقة وآت خبر إن والواو حرف عطف وهو مبتدأ والسميع العليم خبران لمن، وسيأتي مزيد بحث لهذه الآية في باب البلاغة، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من.{وَمَنْ جاهَدَ فَإنَّما يُجاهدُ لنَفْسه إنَّ اللَّهَ لَغَنيّ عَن الْعالَمينَ} الواو عاطفة ومن شرطية مبتدأ وجاهد فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة للجواب وإنما كافة ومكفوفة ويجاهد فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو ولنفسه جار ومجرور متعلقان بيجاهد وإن واسمها واللام المزحلقة وغني خبر إن وعن العالمين متعلقان بغني والجملة تعليلية لما سبق من تقرير أن جهاد الشخص لا يصل منه إلى اللّه نفع.{وَالَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئاتهمْ} الواو عاطفة والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا واللام موطئة للقسم ونكفرن فعل مضارع مبني على الفتح والفاعل مستتر تقديره نحن والجملة خبر الذين وعنهم متعلقان بنكفرن وسيئاتهم مفعول به.{وَلَنَجْزيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذي كانُوا يَعْمَلُونَ} {ولنجزينهم} عطف على {لنكفرن} و{أحسن} مفعول به ثان والذي مضاف اليه وجملة كانوا صلة وجملة يعملون خبر كانوا..البلاغة: 1- التعبير بالصيغة الفعلية والصيغة الاسمية:في قوله تعالى: {فليعلمن اللّه الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} مخالفة بين الصيغة الفعلية وهي {صدقوا} والصيغة الاسمية في قوله: {الكاذبين} والنكتة في هذه المخالفة أن اسم الفاعل يدل على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه والفعل الماضي لا يدل عليه لأن وقت نزول الآية كانت حكاية عن قوم قريبي عهد بالإسلام وعن قوم مستمرين على الكفر فعبر في حق الأولين بلفظ الفعل وفي حق الآخرين بالصيغة الدالة على الثبات، أما بالنسبة لعلم اللّه فلا يقال أن فيه تجددا في علم اللّه تعالى بهم قبل الاختبار وإيهاما بأن العلم بالكائن غير العلم بأنه سيكون، والحق أن علم اللّه تعالى واحد يتعلق بما لموجود زمان وجوده وقبله وبعده على ما هو عليه وفائدة ذكر العلم هاهنا وان كان سابقا على وجود المعلوم التنبيه بالسبب على المسبب وهو الجزاء كأنه قال: لنعلمنهم فلنجازيهم بحسب علمه فيهم.2- الحذف:جرينا في إعراب قوله تعالى: {من كان يرجو لقاء اللّه فإن أجل اللّه لآت} على أن الفاء رابطة لجواب الشرط وان جملة أن أجل اللّه لآت هو الجواب وساغ وقوعه جوابا للشرط مع أن أجل اللّه آت لا محالة من غير تقييد بشرط وانه ينعدم بانعدام الشرط ساغ وقوعه جوابا لأننا نعني بلقاء اللّه تلك الحالة الممثلة والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت كأنه قال من كان يرجو لقاء اللّه فإن لقاء اللّه لآت لأن الأجل واقع فيه اللقاء كما تقول من كان يرجو لقائي فإن يوم الجمعة قريب إذا علم وتعورف انك تقعد للاستقبال يوم الجمعة، هذا ويجوز أن يكون من باب الحذف البلاغي والتقدير فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا..الفوائد: أطال المعربون في التماس وجوه الاعراب لهذه الآية وهي {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يؤمنون} وقد اخترنا أمثل هذه الوجوه وأدناها إلى المنطق كما أوردنا نص قول الزمخشري فيها وكلا الوجهين سائغ مراد ونريد أن نفصل لك القول في الظن والحسبان وغيرهما من الأفعال التي تسمى أفعال القلوب وإنما قيل لها ذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، وليس معنى هذا أن كل فعل قلبي ينصب مفعولين بل القلبي ثلاثة أقسام ما لا يتعدى بنفسه نحو فكر في الأمر وتفكر فيه، وما يتعدى لواحد بنفسه نحو عرف الحق وفهم المسألة، وما يتعدى لاثنين بنفسه وهو المقصود بالتسمية وأصل المفعولين المبتدأ والخبر، ورد بعضهم وهو السهيلي هذا القول وقال كيف يكون نحو ظننت زيدا عمرا أصلهما مبتدأ وخبر وأجيب بأن المراد هو التشبيه بدليل أنه يقال: ظننت زيدا عمرا فتبين خلاف فالظن المذكور لتشبيهه به، وأجاب بعضهم بجواب آخر وهو أنه متأول بمعنى ظننت الشيء المسمى بزيد مسمى بعمر كما أن قولك زيد حاتم متأول بمعنى زيد مثل حاتم في المعنى، استمع إلى قول زفر ابن الحارث الكلابي:فكل بيضاء مفعول حسبنا الأول وشحمة مفعوله الثاني وهو كناية عن أنه كان يظنهم شجعانا فتبينوا بخلاف ذلك وبعد هذا البيت: إذا عرفت هذا كله فهمت معنى الآية بوضوح أي: أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم، وتبجحوا بها، واستطالوا على من سواهم انهم سيتركون غير ممتحنين؟ لا بل سوف يمتحنهم اللّه بضروب الابتلاء وأنواع المحن حتى يسبر أغوارهم جميعا، ويبلو صبرهم وثبات أقدامهم ورسوخها في الايمان، فليس الايمان كلمات تتردد على الألسنة وحسب لكنه يحتاج إلى عمل أصيل، وجهاد مستمر، ليسفر عملهم عما فيه نفع أمتهم، وجهادهم عن تأثيل أوطانهم.
|